عامٌ على الحِصار، بقلم سعادة سفير دولة قطر في طهران

تُصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لحصار دولة قطر من قبل كلٍ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في تصرفٍ يتناقض مع مبادئ حسن الجوار ويشكل سابقةً خطيرة في العلاقات الدولية، ويتعارض مع العلاقات الأخوية والدينية والشراكة في العديد من المنظمات والإتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية.

لقد بدأ هذا الحصار غير المشروع بعملية قرصنة إستهدفت الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية (قنا) وما تبعها من نشر تصريحاتٍ مفبركة نُسِبَت لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد ال ثاني أمير دولة قطر ، والتي إستندت إليها دول الحصار في حملتها التي تهدف للتأثير الاقتصادي والاجتماعي ضد دولة قطر والمساس بسيادتها الوطنية وتركيعها عن طريق ممارسة الضغوط ومحاولة فرض إملاءاتٍ يرفضها الشعب القطري.

ولابد من الإشارة في هذا السياق، إلى أن دولة قطر أعلنت مراراً إستعدادها لإجراء حوارٍ غير مشروط، قائم على الاحترام المتبادل والعقلانية مع دول الحصار التي لم تصرح عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء الحملة التي تشنها ضد دولة قطر، وظلت وسائل إعلامها تردد الإفتراءات والمزاعم دونما الإتيان بأدلة تثبتها، منتهكة الحقيقة بوابلٍ من الأكاذيب، وهو ما يثير الشكوك بشأن الدوافع الحقيقية للحصار.

واللافت أن الدول الأربع تواصل حصارها منذ عامٍ كامل دون تقديم الأدلة عن مزاعمها وافتراءاتها ضد دولة قطر، وذلك رغم وعودها بالكشف عن هذه الأدلة التي يبدو أن لا وجود لها في الأساس، وفي المقابل فإن المجتمع الدولي يشهد على العديد من الأدلة والحقائق التي تثبت جهود قطر في التصدي لكافة أشكال التطرف والإرهاب ومشاركتها الجادة في الجهود الدولية الرامية إلى تجفيف منابع الإرهاب ومكافحة جذوره، والسعي نحو تحقيق الأمن والإستقرار لشعوب العالم قاطبةً.

استطاعت دولة قطر أن تتجاوز تداعيات الحصار سياسياً وإقتصادياً، فعلى الصعيد السياسي حرصت دولة قطر على تعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي والتشاور بشكل مستمر مع حلفائها والدول الصديقة المؤثرة على صنع القرار العالمي، كما تمكنت من إثبات موقفها العادل والمتزن بمواجهة الحصار وإفشال الخطط التي تستهدف النيل من سيادتها أمام المحافل العربية والإسلامية والدولية، ناهيك عن دور قطر الفاعل في دعم القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والسعي لنزع فتيل التوتر في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الصعيد الإقتصادي، تدير قطر اقتصادها وخططها التنموية بحنكة بالغة، ومازالت تتواصل مع العالم تجارياً بفضل وجود ممرات بحرية وجوية بديلة عن تلك التي أغلقتها دول الحصار، وقد تمكنت دولة قطر من تحويل الحصار إلى قوة دافعة لتحقيق أرقامٍ قياسية في مجال الإنجازات ومشروعات التنمية والنهضة ودعم القطاع الصناعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وإيجاد بيئةٍ استثمارية متطورة وتقديم الحوافز للقطاع الخاص من أجل دعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج بما يضمن توفير مختلف السلع في الأسواق المحلية، كما أن دولة قطر ماضيةٌ في إنجاز مشاريع البنى التحتية المُستضيفة لفعاليات كأس العالم المُقرر تنظيمها عام 2022.

كما تواصل دولة قطر دورها الإنساني المميز في إغاثة الشعوب المنكوبة في كافة أرجاء الأرض رغم إستمرار الحصار، وتعد أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا من القارات والمناطق الأكثر استفادة من مساعدات قطر التي تتجه لمشاريع البنية التحتية والتعليم حول العالم.

ولأن أي أزمةٍ سياسية ستتبعها بالضرورة تداعياتٍ تضر بالمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والعرقية والدينية، فقد كانت الانتهاكات الإنسانية خلال فترة عامٍ من الحصار النقطة السوداء الأبرز التي علقت في أذهان الشعب القطري وشعوب المنطقة، فقد تم حِرمان القطريين من أداء مناسك الحج والعُمرة في المملكة العربية السعودية عبر وضع عراقيل ومعوقات كبيرة أمامهم، وذلك في تسييس واضح من قِبل السلطات السعودية لهذه المراسم الدينية المُقدسة.

الجانب الإجتماعي بدوره كان شاهداً على مأساةٍ من نوعٍ أخر، فقد عانت الالاف من عوائل دول مجلس التعاون لوعة فراق الأحبة منذ ذلك الحين، وذلك بسبب قيام دول الحِصار بمنع سفر القطريين إليها ومنع سفر مواطنيهم إلى دولة قطر، هذا الأمر سبب شرخاً كبيراً في النسيج الإجتماعي لدول مجلس التعاون، والعارف بطبيعة الحياة في منطقتنا يعلم تماماً أهمية الروابط العائلية والأسرية في هذه المنطقة.

التداعيات الإنسانية طالت الطلاب والموظفين لدى كِلا الجانبين، إذ قطع مئات الطلاب دراستهم وترك الاف الموظفين أعمالهم وقاموا بالرجوع إلى بلدانهم بسبب قرارات دول الحصار الجائرة، والتي كانت محل إنتقادٍ من الكثير من مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم.

جميع هذه القرارات من قِبل الدول الحِصار، تعاملت معها دولة قطر بكل حكمةٍ ورزانة، فلم تقم بأي إجراءٍ مماثل بحق مواطني دول الحِصار، بل وفتحت الباب أمام مصراعيه لكل مواطن من دول الحِصار يقوم بزيارة دولة قطر أو العمل والدراسة والإقامة فيها.

التداعيات الإنسانية في حِصار دولة قطر أبرزت جانباً مُشرقاً في التعاون الأَخوي البناء بين الدول الجارة والصديقة، فقد كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية سباقةً في تقديم يد العون لدولة قطر في المجال الإنساني وذلك في محاولةٍ منها للتقليل من اثار الحِصار السلبية على مواطني الدولة، حيث قامت الجمهورية الإسلامية بفتح المجال الجوي أمام الطائرات القطرية، وقامت بإرسال المنتجات الغذائية بشكلٍ عاجل لتعويض منتجات دول الحِصار الأربع التي تم قطعها بشكلٍ مفاجئ عن الأسواق القطرية، كما كانت ممراً لمنتجات العديد من الدول إلى دولة قطر، وهي مواقفٌ كانت محل تقدير تام من دولة قطر حكومةً وشعباً.

إذاً، مر عام كامل على حِصار دولة قطر، ولن ينسى الشعب القطري ما فعلته كلٌ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين في حق دولتنا، كما أننا لن ننسى الحكومات والشعوب الذين وقفوا إلى جانبنا في هذه الأزمة، ونؤكد للجميع بأن دولة قطر باتت أقوى سياسياً وإقتصادياً بعد الحِصار وذلك عبر السياسات الحكيمة تحت قيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد ال ثاني أمير دولة قطر ومجهودات سعادة الشيخ محمـد بن عبد الرحمن ال ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وكذلك عبر إيمان الشعب القطري وتوحده خلف قيادته.

 

 

                                                             علي بن حمد السليطي

سفير دولة قطر في طهران